فتح نيوز|
بقلم: موفق مطر
من لا يدرك أن نبض القلب يبث الحياة في الجسد، وأن مده بأسباب الصحة، والاهتمام والعناية الفائقة شرط لضمان بقائه سليما معافى قويا يضخ سر الحياة لأبعد نقطة في عروقه، لا يستطيع إدراك مكانة القدس في جسد الوطن، وكيفية الحفاظ على صحة جذورها الفلسطينية العربية، وضمان انتقال قدسيتها من ماضيها إلى حاضرها وحتى مستقبلها بنبض القيم والمبادئ الوطنية والروحية غير القابلة للتأكسد أبدا رغم متغيرات الأنواء السياسية، فللقدس ملائكة شباب يمشون على الأرض، يلبون نداء أحجار بيوتها إذا استغاثت وينسجون من أرواحهم وأنوار مقدساتها فتيل مصائرهم ويصممون على بقائه مضيئا منيرا مشعا في فضاء وسماء مدينة الله.
هذا الإدراك قد يكون طبيعيا كنبتة أو شجرة برية ولا أجمل ولا أطيب، وقد يتشكل في منبت وطني خالص. كلاهما ضامن لديمومة حياة ذات معنى وقيمة، فالوفاء للقدس يغلب التصحر الإجرامي العنصري الاستيطاني الذي يجلبه معهم الغزاة والغرباء عن زمان ومكان القدس، ويصد الريح الحزبية الفئوية العصبوية الصرصر، ويقي عقول وقلوب أهلها من شر العابثين ببيوتها المقدسة، الذين يبيعون تاريخها لكسب مقعد في مجالس أعدائها.
القدس الحرة المستقلة، القدس العاصمة كما كانت بالأمس وكما هي اليوم وكما ستبقى غدا وما بعده حتى تشرق الشمس من مغربها، الهدف لنضال وكفاح الفلسطيني الوطني، والعربي المتأصل بقيم عروبته، والحر المؤمن في أي مكان في العالم كان فمفتاح السلام المنشود في أحيائها موجود، لكن الغزاة المستوطنين البربريين يحاولون طمس معالمها، واستعمار بيوتها العتيقة، فالمولعون بالحرب والعدوان وسفك الدماء، وتحريق أبناء آدم أحياء معنيون بتضليل العالم وتزوير الروايات، وتحريف كتب مقدسة لمنع العقلاء من وضع يدهم على المفتاح.
القدس بالنسبة للوطني الفلسطيني أعظم من مجرد مكان على خريطة جغرافية، وأبعد في المدى مما قد تصله تأملات الإنسان الروحية، وأحسن رسالة في التاريخ والأدب واللغة قد يكتبها واحد من سلالة آدم وحواء، القدس أعلى مراتب معادلات الفيزياء والكيمياء التي مازالت مستعصية على العالم، لكن الحل ليس بمعجز إلا النفوس المستكبرة، الحاقدة على ذاتها وعلى الإنسانية. فهؤلاء المستوطنون اليهود استعمر كل الشر في العالم وسكن نفوسهم، ويفرغونه رعبا وإرهابا في شوارع وأحياء وبيوت مدينة السلام، لكن المعادلة أسهل بكثير من تعقيدات الكبار المتآمرين المساندين والصغار الساكتين كشياطين خرس، فالقدس في المعادلة الفلسطينية تساوي الحرية والسلام، تساوي فضاء حرا مستقلا يرفرف تحت قبة سمائها علم فلسطين الرباعي الألوان.
سلكنا دروب النضال ونسلكها ولا نرى في نهايتها إلا فلسطين الوطن، الحق التاريخي والطبيعي لنا ومن قبلنا أجدادنا ومن بعدنا أحفادنا، في وطننا فلسطين من الجليل حتى النقب ومن الأغوار حتى شواطئ يافا مدن وقرى كل حبة تراب وكل حجر وكل قطرة ماء وكل روح إنسان فيها مقدسة، لكن القدس أم مدائننا، وأم قرانا، وكل مقدسي فيها وجهنا وقلبنا وعقلنا ويدنا، على كل حجر من بيوتها العتيقة منقوش اسم فلسطيني يتنسم هواء الوطن، أو آخر في مخيم ما أو في مكان ما على الكرة الأرضية، وهو إما مورث أو وارث، والحق لا يضيع مادام في الدنيا فلسطيني مطالب، وفي القدس من يعطل خطط الغزاة المحتلين بصرخة إنا هنا باقون، ويعطل دماغ إرهاب دولة ناقصة متمردة على الإنسانية تسمى “اسرائيل”.