فتح نيوز|
بقلم: باسم برهوم
بعد سبعة عشر عاما على رحيله، كيف يرى الشعب الفلسطيني ياسر عرفات؟ من دون شك وبالرغم من الأوضاع السياسية الصعبة، وبرغم الشعور بالمرارة، لأن أهداف الثورة الفلسطينية لم تتحقق بعد، إلا أن هناك اتفاقا على أن ياسر عرفات هو القائد التاريخي الفريد من نوعه، لأنه وحتى النفس الأخير قد أعطى حياته كلها للقضية الفلسطينية، وعمل كل شيء لتبقى هذه القضية حية موجودة على جدول الأعمال الإقليمي والدولي.
إن أي قراءة موضوعية لدور ياسر عرفات سنجد أن الأهمية الأولى والأهم لهذا القائد، والقيادة المؤسسة لفتح، انه هو وهم قد نجحوا في استغلال اللحظة التاريخية، وهي لحظة نادرة الحصول مع قضية كالقضية الفلسطينية، وهي لو لم تستغل بجرأة في حينه لتمت تصفية القضية الفلسطينية التي بدأت مع النكبة.
هناك مجموعة من العوامل تجمعت وهيأت لياسر عرفات ورفاقه في قيادة فتح هذه اللحظة، التي عاد الشعب الفلسطيني لينهض معها من جديد من تحت الرماد، وخلص نفسه من بين مخالب من تكالبوا عليه وعلى وطنه.
العامل الأوسع في المشهد هو انتقال من كانوا حلفاء في الحرب العالمية الثانية، إلى حالة من التنافس والصراع على كل شيء تقريبا، وهو انتقال أطلق عليه في علم السياسية “الحرب الباردة”. الشرق الأوسط كان أحد الساحات الساخنة للحرب الباردة، حيث كان الاتحاد السوفييتي، ومعسكره الاشتراكي، يتنافس على النفوذ مع الولايات المتحدة ومعسكرها الرأسمالي على كل شبر في المنطقة الإستراتيجية والغنية في ثرواتها.
وفي الاقليم، وبالتحديد في المنطقة العربية ظهرت أنظمة جديدة ذات توجهات قومية، كانت تستمد شرعيتها من موقفها من القضية الفلسطينية، فشهدت الساحة العربية بدورها حربا باردة بين أنظمة محافظة، وأخرى ثورية.
أما فلسطينيا فقد بدأت النخب تكتشف أن الأحزاب في الدول العربية، والتي انخرطوا فيها، لم تقربهم من هدف تحرير فلسطين قيد أنملة، بل استنزفت طاقتهم في الخلافات العربية العربية. ومع هذا النضوج التدريحي كان البحث جاريا عن البديل الوطني الخاص.
وهناك أسباب أخرى مباشرة كحرب السويس عام 1956، عندما اكتشف الفلسطينيون مع احتلال إسرائيل لقطاع غزة وصحراء سيناء فكرة الاعتماد على النفس في مقاومة إسرائيل. وبالطبع قدم انتصار الثورة الجزائرية على الاحتلال الفرنسي نموجا يقتدى به.
كل هذه العوامل التي تجمعت مع نهايات الخمسينيات ومطلع ستينيات القرن العشرين، أتاحت لياسر عرفات ورفاقه اللحظة التاريخية المناسبة وهو بدوره أدركها بذكائه الفطري، واستغلها أفضل استغلال ليطلق الثورة الفلسطينية المسلحة المعاصرة.
الأهمية الثانية لهذا القائد المثابر والبراغماتي بامتياز هي أن ياسر عرفات قد أدرك مبكرا أهمية أن يمسك الشعب الفلسطيني قرار مصيره بيديه، فتجربة الفلسطينيين مع الحكام العرب عندما سلموهم أمر قضيتهم في حرب عام 1948 وقبلها كنت مريرة. ياسر عرفات بقرار فتح وفكرها هو ورفاقه من تمسكوا ودفعوا التضحيات في سبيل أن يمتلك الشعب الفلسطيني، قراره الوطني المستقل، وأن يكون هو وحده من يمسك بقرار قضيته الوطنية.
الأهمية الثالثة، قدرته الفائقة على المناورة والحضور الدائم على الساحتين العربية والدولية. ورابعا، قدرته على الفعل حتى في أكثر الظروف صعوبه، وكان يكره بطبعه السكون، فالسياسة لا تعرف السكون حتى لو كانت في بعض القرارات والتحركات مخاطر كبيرة، وفي هذه كان يصيب أحيانا، ويخطئ أحيانا أخرى لكنه لم يغب لا هو ولا القضية الفلسطينية عن المشهد السياسي.
ياسر عرفات “أبو عمار” هو من ذلك النمط من القادة التاريخيين، الذين يختلط فيهم الواقعي مع الأسطوري، فهو من أعاد صياغة وجود الشعب الفلسطيني، بعد أن حولته النكبة الى شعب لاجئ مشرد وموزع على خارطة العالم وطبعه بطابعه، وأعاد عرفات رسم هوية الفلسطينيين الوطنية، كشعب مكتمل الملامح، وله حقوق وطنية سياسية معترف بها وحقوقا مدنية ودينية كما نص إعلان بلفور المشؤوم.