فتح نيوز|
بقلم: د. رمزي عودة
كلمة غير مسبوقة للسيد الرئيس محمود عباس ألقاها مساء الجمعة في الدورة الـ76 للجمعية العامة للأمم المتحدة، فعلى خلاف التوقعات الغربية، ظهر السيد الرئيس بمظهر الحازم والمتوعد والثابت على الثوابت الفلسطينية؛ وأبرزها الدولة الفلسطنية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف وعودة اللاجئين الفلسطينيين وتحرير الأسرى من السجون الإسرائيلية. وبدا كأن الرئيس يوجه رسالته مباشرة لجميع المحاولات الدولية والإسرائيلية التي تجتزئ الحق الفلسطيني في تقرير مصيره والحفاظ على مقدساته وعودة لاجئيه. إننا كشعب وقيادة لن نستسلم ولن نركع، .. سنستمر في نضالنا… الاحتلال لن يبقى إلى الأزل، بهذه الجمل القصيرة والحازمة، أشارت كلمة الرئيس بوضوح إلى أن السلام والاستقرار في المنطقة لن يتحقق إلا بحل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً وفقا لقرارات الشرعية الدولية. كما أكدت الكلمة على أن الفلسطينيين لن يقبلوا بأي حلول اقتصادية أو مجتزأة كما يحاول البعض الترويج لمثل هذه الحلول.
ولم يكتف السيد الرئيس بإعلان تمسكه بالثوابت الفلسطينية، وإنما أعطى مهلة لحكومة الاحتلال قوامها عام واحد لتحقيق السلام العادل والشامل، وإن لم تستجب حكومة الاحتلال لتحقيق السلام العادل فإن السيد الرئيس حدد خارطة طريق للعمل الفلسطيني النضالي في المرحلة القادمة، تضمنت النقاط التالية:
أولا: التمسك بالثوابت الفلسطينية وتعزيز صمود شعبنا الفلسطيني على أرضه.
ثانيا: الالتزام الكامل بدعم الأسرى والجرحى وعائلات الشهداء، مع العمل الجاد على تحرير الأسرى من سجون الاحتلال كافة.
ثالثا: الالتزام بإجراء الانتخابات العامة مع دعوة المنظومة الدولية للضغط على حكومة الاحتلال من أجل السماح بإجرائها في القدس المحتلة.
رابعا: تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم التيارات السياسية كافة، وتقود المرحلة الجديدة من النضال الفلسطيني لاستعادة الحقوق المسلوبة، وإعادة إعمار غزة وإنهاء الانقسام، على أن تكون مرجعية هذه الحكومة هي منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
خامسا: الاستمرار في الانضمام إلى الاتفاقات والمعاهدات الدولية كافة؛ بهدف تمكين دولة فلسطين وتحسين امتثالها للمواثيق والتعهدات الدولية كافة، باعتبارها دولة تسعى للتحرر من الاحتلال.
سادسا: الالتزام التام والشامل باحترام دولة فلسطين لحقوق الإنسان وحرية التعبير وتطبيق سيادة القانون ومقاومة الإرهاب.
سابعا: تفعيل المقاومة الشعبية السلمية بهدف التحرر من الاحتلال وإفشال مخططات الاستيطان والتهويد.
ثامنا: دعوة الأمم المتحدة إلى عقد مؤتمر دولي للسلام بشرط أن يكون المؤتمر تحت رعاية الرباعية الدولية وليس رعاية أحادية.
تاسعا: استمرار الدبلوماسية الفلسطينية بالضغط على إسرائيل من خلال المنظمات والمحاكم الدولية لسحب الاعتراف من إسرائيل والمطالبة بمعاقبتها على استمرار الاحتلال والاستيطان.
من الواضح أن كلمة السيد الرئيس كانت جريئة وقوية ومتسقة ومتوازنة في آن واحد، كما أنها عبرت بوضوح عن واقع الاحتلال الغاشم على الأرض والإنسان الفلسطيني. الرئيس وفق بشكل واضح في تحديد البعد الإنساني للقضية الفلسطينية وذلك من خلال الإشارة إلى المعاناة الإنسانية للشعب الفلسطيني من جراء استمرار الاحتلال. وفي الصورة التي كانت معلقة على يساره وهي تضم مجموعة خرائط لفلسطين التاريخية وكيف تم اجتزاؤها وتقسيمها بفعل المشروع الصهيوني، بحيث غدت الخارطة النهائية للدولة الفلسطينية فقط 12% من مساحة فلسطين التاريخية، في هذه الصورة دلالة واضحة على السخط الفلسطيني على واقع الاحتلال وعلى سكوت المنظومة الدولية للظلم الواقع على الفلسطينيين، وكأن السيد الرئيس يعلن عن انتهاء القدرة على تحمل الألم لأن الأمل بتحقيق العدالة الدولية لقضية شعبه أصبح متضائلا، وأن الوضع المأساوي هذا إن استمر فإن الشعب الفلسطيني ستكون له خيارات أخرى ومنها على الأقل العودة إلى قرار التقسيم رقم 181 وسحب الاعتراف بدولة الاحتلال إسرائيل والتحلل من الالتزامات التعاقدية بين الطرفين، وهو ما تضمنته كلمة السيد الرئيس بوضوح. بالمجمل، يبدو أن مرحلة السلوك المهذب في الدبلوماسية الفلسطينية قد ولت، وأن مرحلة جديدة من القوة والمقاومة والصمود وإحقاق الرواية الفلسطينية وتعميمها ستكون السمة الرئيسة للمرحلة القادمة في النضال الفلسطيني ضد الاحتلال.
كما أن الشهيد الرمز أبو عمار استهوى قلوب العالم في كلمته أمام الجميعة العامة للأمم المتخدة عام 1974، وهو يحمل غصن الزيتون في يده وبندقيته في يده الأخرى، يبدو جلياً أن الرئيس أبو مازن أصاب هو الآخر قلوب العالم والمظلومين؛ وهو يناضل من أجل السلام ويحمل في يده صك ملكيته لبيته في صفد الذي هجر منه بفعل النكبة والاحتلال.