فتح نيوز|
بقلم: عمر الغول
لعبة السياسة تختلف اختلافا عميقا عن المواقف الآيديولوجية، مع أن الغالبية الساحقة من الزعماء السياسيين يأتون بالغالب، أو يتم انتخابهم من قبل انصارهم على خلفية مواقفهم الآيديولوجية، وشعاراتهم النارية والديماغوجية أو العنترية البعيدة عن الواقع، والمتصادمة بالعادة مع الممارسة السياسية. وغالبا ما يتربع أحد الآيديولوجيين على كرسي الحكم، حتى يبدأ بالنزول عن شجرتها. لأن استحقاقات السياسة تفرض عليه التعامل مع متطلباتها، وتنقله التطورات السياسية إلى جادة بعيدة نسبيا عن الشعارات الصاخبة، التي لا تسمن ولا تغني من جوع، إلا إن كان الجالس على سدة الحكم دوغمائيا ولا يفقه الفرق بين المستويين، أو لا يريد أن ينزل عن شجرة الآيديولوجيا عن سابق تصميم وإصرار عندئذ يقع في سلسلة من التعقيدات السياسية حتى لو استمر في الحكم لبعض الوقت، ويوقع الدولة في متاهات غير حميدة.
وهذا لا يعني الانقلاب المطلق على الخلفيات الآيديولوجية والعقائدية، انما ضرورات الحكم تستدعي خلق عملية توازن واقعية وموضوعية بين السياسة وفن إدارتها واستحقاقاتها لخدمة مصالح الشعب، وبين العقائد والمنظومات الآيديولوجية المختلفة. بتعبير آخر إيجاد وخلق قواسم مشتركة بين ثوابت الآيديولوجيا ومرونة السياسة.
ومن يعرف شخصية نفتالي بينيت، رئيس الوزراء الإسرائيلي وخلفيته الآيديولوجية، يعلم انه من المدرسة الدوغمائية المتزمتة. لا سيما وانه يقف على رأس حزب “يمينا” او الصهيونية الدينية، ويتقوقع في مستنقع الآيديولوجيا الصهيونية المتطرفة والفاشية. وبالتالي لا يملك هذا الرجل القدرة على فن إدارة الصراع، رغم كل البراغماتية، التي يمتلكها ويتسلح بها في المسائل الاقتصادية، وليبراليته، ليبرالية متوحشة. لأنه حتى لو أراد النزول عن شجرة الآيديولوجيا، فإن هناك من يصده من اقرانه في حزبه ومن اليمين الصهيوني الحريدي المتطرف، وبالتالي خطواته السياسية مكبلة بضوابط الآيديولوجيا، التي لا يستطيع ان يبرحها، او يتخلى عنها.
وعليه فإن بينيت في الحكم، هو نفسه خارج دائرة الحكم. ومواقفه من المصالح والاهداف والقيادة الفلسطينية عموما والرئيس أبو مازن خصوصا، هي نفسها، وان وجد تباين، فهو تباين جزئي ومحدود، ولا يرقى لدرجة الافتراق كثيرا عن الخلفية العقائدية. ومن هنا فموقفه من رفض اللقاء مع الرئيس محمود عباس لا صلة له بما ادعاه أمس الأول الجمعة اثناء اللقاء مع قادة جمعيات يهودية في الولايات المتحدة عبر الزووم، من انه يرفض اللقاء مع الرئيس الفلسطيني “بسبب انه قدم شكوى ضد إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية.” كما ذكر موقع “واللا” في الثالث من أيلول / سبتمبر الحالي. لأن الحقيقة المعروفة ان رئيس حكومة التغيير كان يتبنى هذا الموقف منذ ان دخل حلبة العمل السياسي، وأعلن عن ذلك مرات ومرات، ليس هذا فحسب، انما دعا، وما زال يدعو للسيطرة على كافة الأراضي الفلسطينية المحتلة في الرابع من حزيران / يونيو 1967، وليس فقط السيطرة على الاغوار والقدس العاصمة الفلسطينية الأبدية.
وادعاؤه امام زعماء الجمعيات اليهودية الأميركية بأن الامر متعلق بتقديم شكوى للجنائية الدولية، ليس سوى ذريعة واهية وكاذبة، لا تمت للحقيقة بصلة. لأنه مسكون بالعداء والعنصرية الفاشية ضد الشعب الفلسطيني وقيادته، ولكنه يعلم ان هناك تحولا في أوساط اتباع الديانة اليهودية في الولايات المتحدة عموما، وفي أوساط الشباب اليهودي الأميركي خصوصا لجهة وصفها دولة إسرائيل، بأنها دولة فصل عنصري، او على اقل تقدير، انها دولة تستبيح حقوق ومصالح الشعب الفلسطيني، أضف الى الدعوات الأميركية المتصاعدة، الداعية إدارة الرئيس بايدن إلى ربط المساعدات العسكرية والمالية لإسرائيل بمدى التزامها بعملية السلام، واحترام حقوق ومصالح الشعب الفلسطيني، ووقف عمليات التطهير العرقي في الشيخ جراح وسلوان واحيائها وكل الأراضي الفلسطينية، ورفع الحصار الظالم عن قطاع غزة. لذا لجأ لتدوير زوايا في موضوعين أساسيين، الأول التهرب من لقاء الرئيس أبو مازن، والثاني ادعاؤه الحرص على التخفيف من حدة الصراع مع الفلسطينيين، وبانه “سيمنحهم” تسهيلات اقتصادية واسعة، بيد انه اكد، لن يتخلى عن التوسع الاستيطاني. وهو خياره الأساس والناظم للحكم.
اما موضوع الدولة الفلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967، فكان واضحا وصريحا في رفض مبدأ الحديث بالأمر، لأنه لا يقبل القسمة على اية تسوية سياسية تقوم على خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، وكان وما زال مع ترجمة حرفية لقانون ” أساس الدولة اليهودية” الصادر في 19 تموز / يوليو 2018، بتعبير ادق مع السيطرة الإسرائيلية الكاملة على كل فلسطين التاريخية، وعدم منح الفلسطينيين اية حقوق سياسية في ارض وطنهم الأم.